العزوبية شبح يهدد مجتمعاتنا، أصبح صداعا يوجع الأسر العربية ويجعلها فريسة لآثاره السلبية المختلفة، فالكثير من الشباب رفع شعار "ابعد عن الزواج وغنِّ له" سواء بإرادته أو بسبب الظروف التي حاصرته من كل مكان فاستسلم لها ورفع الكارت الأحمر في وجه الزواج وارتضى بالعزوبية نصيبا له.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الشباب عازف عن الزواج بإرادته، أم أنه مُجبَر على ذلك؟ وما الأسباب التي أدت بالشباب إلى تلك الحال؟ وهل من سبيل لعلاج هذه المشكلة التي تستهدف قطاعا يُفترض أن يكون أكثر القطاعات عطاء وإنتاجا؟.
التقينا بنماذج من حاملي لواء العزوبية، ناقشناهم في أسباب قرارهم وموقفهم من الزواج..
عزوف بالإكراه
الإحصائيات الرسمية تؤكد أن العزوبية فرضت نفسها بقوة على واقعنا العربي، وأصبحت ظاهرة تستحق التوقف عندها ودراستها جيدا لإيجاد الحلول لها. ولغة الأرقام التي لا تعرف الشك تشير إلى انخفاض نسبة الزواج بدرجة كبيرة في الدول العربية.
ففي مصر مثلا بلغت "عقود" الزواج 63 ألف عقد فقط في عام 2005، هذا في الوقت الذي وصلت فيه عدد حالات الطلاق إلى 78 ألف حالة، كما أن 35% من الفتيات تجاوزن سن الـ35 سنة دون زواج و20% منهن يتزوجن ما بين 35 و40 سنة.
كما أشارت دراسة اجتماعية حديثة إلى أن ثلث عدد الفتيات في الدول العربية بلغن سن الثلاثين دون زواج، وأشارت دراسة أخرى أجراها مركز الدراسات الاجتماعية في مصر إلى وجود 9 ملايين فتاة فاتهن قطار الزواج.
ولعل من أكثر الأسباب التي تدفع الشباب إلى العزوف عن الزواج هو العائق المادي؛ نظرا للظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها كثير من الشباب.
يقول عيد ياسين (30 سنة- دبلوم صناعي): "في الحقيقة لم أفكر في أمر الزواج رغم أهميته؛ لأن الزواج مشروع من المشاريع التي يسعى الشاب لتحقيقها ويجب أن يتحقق عندما تصبح الظروف مهيأة لذلك. وأقصد بالظروف الحالة المادية، بالإضافة إلى الشعور بالاستقرار النفسي، والعثور على الفتاة التي أشعر تجاهها بالتوافق. وأرى أن الشباب ليس عازفا عن الزواج برغبته بدليل كثرة العلاقات غير الشرعية، وانتشار حالات الزواج العرفي".
ولكن القدرة المادية ليست الشماعة التي يعلق عليها العزاب قرارهم؛ فقد يكون الشاب لديه من الإمكانيات المادية ما يكفي للزواج، إلا أنه لا يتزوج؛ بل يُشْبع رغبته تجاه الجنس الآخر بعلاقات غير شرعية تغنيه في كثير من الأحيان عن الزواج.
يقول عادل خليل (كيميائي- 38 سنة): "بدأت علاقتي بالجنس الآخر منذ سن مبكرة للغاية؛ وهو ما ترتب عليه نوع من التشبع يشبه تلك الحالة التي يصل إليها الرجل من خلال الزواج، بالإضافة إلى الاطلاع على سلبيات كثيرة للزواج قد تكون صادمة في كثير من الأحيان، والتي قلما يتمكن رجل متزوج من تجنبها لتورطه في رباط الزوجية، والذي يعد الأبناء من المعوقات الشديدة لفكه.
إلا أنني أعترف أن من سلبيات تعدد العلاقات المُبالَغ في تحررها خاصة في مقتبل سن الشباب هو التشكك في أخلاقيات أي فتاة، ومن ثم التشكك في نجاح العلاقة الزوجية مستقبلا. كذلك فإني أرى أن الشباب ميسوري الحال قد يعزفون عن الزواج لأن كل متع الحياة بمتناول أيديهم، وهم يفعلون كل ما يريدون، فلماذا التورط في علاقات بعيدة المدى ومليئة بالالتزامات؟